أخذ الجمع يردد بصوت واحد (اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك
نحيا، وبك نموت، وإليك المصير)، فسألت جعفر عنه، فقال: هذا الذكر وما تضمنه من
دعاء سنة من سنن رسول الله a.. فقد كان رسول الله a يقوله إذا أصبح، وإذا أمسى، ويعلمه لأصحابه[1].
قلت: فما سر هذا الذكر؟
قال: ألا ترى المعاني الجليلة التي يتضمنها هذا الذكر.. إنه
يقول لذاكره: أنت لست أنت الذي يقوم وحده.. بل أنت عبد القيوم الذي قام كل شيء
بقيوميته..
وهو بذلك يمللؤه سعادة وأمنا.. كما يملؤه تواضعا وأدبا.. بل إن
كل خلال الخير تتضمنها هذه المشاعر الراقية..
ولو أردت تشبيها يقرب لك صورة هذا.. ولله المثل الأعلى.. فإن
مثاله مثال ابن له أب غني قوي ملك، وهو مع ذلك في منتهى الحزم بحيث لا يسمح حتى
لولده أن يتجاوز حدوده، فإن هذا الولد بتذكره والده وما عنده من القوة يمتلئ
أمنا.. وبتذكره غناه يمتلئ غنى، ويمتلئ بعدها كرما.. وبتذكره حزمه يمتلئ أدبا..
وهكذا تتنزل عليه مواهب الصفات بقدر ما اكتسب من المعارف.
أخذ الجمع يردد بصوت واحد (اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم
الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي
وشر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءا، أو أجره إلى مسلم) [2]
فسألت جعفر عنه، فقال: إن هذا الذكر يرجع بالأمر إلى أصله..
فالكون ليس قائما
[1] فعن أبي هريرة: أن النبي r كان يعلم أصحابه يقول: إذا أصبح أحدكم فليقل: اللهم بك
أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور، وإذا أمسى فليقل: اللهم بك
أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك المصير) رواه أبو داود وابن ماجه.