هؤلاء وأولئك هو أن هؤلاء كانوا من خلال مظهرهم وأسئلتهم على مستوى
عال من الثقافة، فلذلك كانت أسئلتهم تختلف كثيرا عن أسئلة من قبلهم، وكانت أجوبة
الأمير تميل إلى العلمية في هذا المحل أكثر منها إلا الوعظية.
صعد (الأمير) منصة متواضعة، وقال: عم تريدون أن أحدثكم.
قال رجل منهم: نريد أن تحدثنا عن سر قوله تعالى:﴿ وَيَضْرِبُ
اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ (ابراهيم: 25)،
وقوله تعالى:﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا
يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ (العنكبوت:43)
قال الأمير: في هذه الآيات وغيرها يخبرنا القرآن الكريم عن مسلك من
المسالك التي تنفذ منها المواعظ إلى القلوب، وهو مسلك الأمثال.. لقد قال الله
تعالى يذكر ذلك:﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ
كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً﴾ (الاسراء:89)،
وقال:﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ
مَثَلٍ وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً﴾ (الكهف:54).. فتصريف
الآيات يشمل تنويع الحجج والبراهين على قضية واحدة، فيؤتى للقضية الواحدة بأكثر من
دليل وبرهان، فتتابع على عقولهم الحجج وتُصرَّف لها الأمثال والعبر.
انظروا القرآن الكريم، فسترونه ينوع الأساليب، فيؤتى بالدليل الواحد
بأكثر من أسلوب: فتارة بالخبر، وتارة بالاستفهام، وأخرى بالنفي والإثبات، وأحيانا
بضرب الأمثال أو القصص، ونحوها.
قالوا: فما الأمثال؟
قال: هي ادعاء التماثل الجزئي أو الكلي بين شيئين أو حالين
طلباً لإثبات أو إيضاح أحدهما اعتماداً على ثبوت أو وضوح الثاني.. وهي لذلك تستخدم
في تقريب المعنى وإيضاحه والإقناع به والحث على الفعل ونحو ذلك.