قال: في رحلتي الثالثة، سرت إلى طوس .. تلك البلدة العريقة من بلاد
فارس.. البلاد التي تشرفت بقوله a:(لو كان الإيمان عند الثريا لذهب
به رجل من أبناء فارس حتى يتناوله)[1]
خطر على بالي، وأنا أتجول في بعض شوارعها العتيقة هذا الحديث.. وخطر
على بالي بعدها الجموع الكثيرة من العلماء والأولياء والربانيين من الفرس الذين
ورثوا رسول الله a أكمل وراثة، وأحسن وراثة..
ولست أدري كيف خطر على بالي فجأة أبا حامد الغزالي.. وخطر على بالي ـ
بالتحديد ـ المدرسة والخانقاه اللذين أسسهما بعد عودته من الخلوة ليكونا رمزا
لإحياء علوم الدين[2]..
ما خطر ذلك الخاطر على خاطري حتى رحت أسأل بعض المارة عن آثار
المدرسة الغزالية، فابتسم، وقال: ولماذا تبحث عن آثارها؟
قلت: أنا سائح.. وأهتم بالآثار.. ولذلك أحببت أن أراها.. فهل بقي لها
وجود بعد تلك القرون الطوال؟
ابتسم، وقال: ما أسس على التقوى لا يهدم.. وما رفع بنيانه على ذكر
الله حفظ بالله.. وما حفظ بالله لا يصيبه البلى.
[2] وذلك
لما روي أن الغزالي لما رجع إلى مسقط رأسه مدينة طوس بعد فترة الخلوة (اتخذ إلى
جانب داره مدرسة للفقهاء وخانقاه للصوفية، ووزع أوقاته على وظائف من ختم القرآن
ومجالسة أرباب القلوب والتدريس لطلبة العلم وإدامة الصلاة والصيام وسائر العبادات
إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى)