قال الغزالي: ألم تقرأ ما قاله جدي أبو حامد في أول وظائف طالب
العلم؟
قال الطالب: بلى.. لقد ذكر أول وظيفة من وظائف طالب العلم، فقال:(تقديم
طهارة النفس عن رذائل الأخلاق ومذموم الأوصاف)
وعلل ذلك بقوله:(إذ العلم عبادة القلب وصلاة السر وقربة الباطن إلى
الله تعالى؛ وكما لا تصح الصلاة التي هي وظيفة الجوارح الظاهرة إلا بتطهير الظاهر
عن الأحداث والأخباث، فكذلك لا تصح عبادة الباطن وعمارة القلب بالعلم إلا بعد
طهارته عن خبائث الأخلاق وأنجاس الأوصاف)
ثم استدل لذلك بقوله تعالى:﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ
﴾ (التوبة: 28) ففي هذه الآية (تنبيه للعقول على أن الطهارة والنجاسة غير
مقصورة على الظواهر بالحس، فالمشرك قد يكون نظيف الثوب مغسول البدن، ولكنه نجس
الجوهر أي باطنه ملطخ بالخبائث، والنجاسة عبارة عما يجتنب ويطلب البعد منه، وخبائث
صفات الباطن أهم بالاجتناب فإنها مع خبثها في الحال مهلكات في المآل)
واستدل بقوله a:(لا
تدخل الملائكة بيتا فيه كلب)[1] وعلق عليه بقوله:(والقلب بيت هو
منزل الملائكة ومهبط أثرهم ومحل استقرارهم؛ والصفات الرديئة مثل الغضب والشهوة
والحقد والحسد والكبر والعجب وأخواتها كلاب نابحة، فأنى تدخله الملائكة وهو مشحون
بالكلاب ونور العلم لا يقذفه الله تعالى في القلب إلا بواسطة الملائكة، كما قال
تعالى:﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً
أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا
يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ (الشورى:51)، وهكذا ما يرسل من رحمة
العلوم إلى القلوب إنما تتولاها الملائكة الموكلون بها، وهم المقدسون المطهرون
المبرؤون عن الصفات المذمومات، فلا