اقتربت من صاحب الصوت، فوجدته راعيا قد استلقى على رمال تلك
الصحراء.. وهو يترنم بتلك الأببات بلذة لا تعدلها لذة، وكأنه يتوهم نفسه في محفل
كبير، وقد طرح جلابيب الرعاة، ليرتدي طيالسة الأدباء والبلغاء والعلماء..
حييته، فلم يشعر بتحيتي، فحركته بيدي، وقلت: مرحبا بصديقنا الشنفرى..
هل رضي الشنفرى من حياته بعد عودته بأن يصير راعيا؟
ابتسم، وقال: وهل يمكن أن يتكبر على الرعي أحد بعد رعي رسول الله a؟
ثم أردف يقول: لو أن الشنفرى سمع قول رسول الله a: (ما بعث الله نبيا إلا راعي غنم)، فقيل
له: وأنت يا رسول الله؟ قال: (وأنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط) [1]
وسمع ما حدث به جابر بن عبد الله من قوله: كنا مع رسول الله a نجني الكباث، فقال: عليكم بالأسود منه
فإنه أطيبه فإني كنت أجنيه إذ كنت أرعى الغنم، قلنا: وكنت ترعى