قال: فأفلام أهل العلم هي تلك الكتب.. لقد ترفعت همتهم عن السفاسف،
ففتح الله عليهم من العلوم ومن حفظ العلوم ما ملأ غيرهم بالعجب.
قلت: رغبتنا في الحفظ.. فما الذي يعين عليه؟
قال: أوله الصفاء.. فلا يمكن أن تكتب في أوراق مكتوبة.. قال تعالى:﴿
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا
وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا
لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة:151).. انظر كيف قدم الله تعالى
التزكية على العلم.. فلا يمكن لمن تلطخ بالأوزار أن يستوعب الأسرار.
وقال تعالى:﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 282).. انظر كيف قرن الله
التقوى بالعلم.. فلا يتعلم حقيقة العلم إلا من اتقى الله حق التقوى.
قلت: هذا الأول.. فما الثاني؟
قال: تكرير ما تريد حفظه على قلبك.. فلا يثبت الحفظ مثل التكرار..
فعن علي قال: تزاوروا وتدارسوا الحديث، ولا تتركوه يدرس.
قلت: هذا الثاني.. فما الثالث؟
قال: المذاكرة..
مذاكرة ما تحفظ مع غيرك.. ليضبط لك ما لم تضبطه، ويفتح عليك ما نسيته، ويضيف لك جديدا
إن كان عنده.. حدث سعيد بن جبير أن ابن عباس كان يقول: يا سعيد اخرج بنا إلي
النخل، ويقول: يا سعيد، حدث، قلت: أحدَّث وأنت شاهد؟ قال: إن أخطأت فتحت عليك.
قلت: هذا الثالث.. فما الرابع؟
قال: تعليم الناس ما تحفظ.. فليس شيء أكثر ترسيخا للعلم في الذهن من إنفاقه..
فعن بعضهم قال: من سره أن يحفظ الحديث فليحدث به، ولو أن يحدث به من لا يشتهيه،
فإنه