عظيمة.. وفوق ذلك كانت الطيور تحلق فوق رؤوسنا، لتمتعنا بأجمل ما
وهبها الله من ألحان.
ما إن وصلت مع الجنيد إلى منزل الشكر حتى وجدتني مستغرقا استغراقا
كليا في مشاهدته والتنعم بجماله.. لقد كان منزلا لا يمكن لأحد في الدنيا أن يصفه..
ولذلك غفلت عن صاحبي، ورحت أسرع في الدخول إليه.. وقد وجدت في داخله ما لا تسع
بحار الدنيا التعبير عنه.
الصدق:
بعد أن مكثت ما شاء الله لي أن أمكث في منزل الشكر جاءني أمر من
شيخي أبي مدين بأن أسير صحبة أبي يزيد البسطامي إلى منزل الصدق.. فلم أجد إلا أن
أطيعه.. فسرت إلى أبي يزيد.. وقد كان أول ما قال لي أبو يزيد: أجئت تطلب مقام
الأنبياء؟
قلت: لا طاقة لي بهذه التعابير.. فكف عني يا أبا يزيد.. وحدثني بما
يعرفه الناس، فإني لا أريد للساني أن يقع في أي شطحة من الشطحات.
قال: لقد وصف الله أنبياءه بالصديقية.. ولذلك فالمتحقق بالصدق عندنا
متحقق بمقام من أعظم مقامات الأنبياء ـ عليهم السلام ـ لقد قال الله تعالى في
إبراهيم u:﴿ وَاذْكُرْ فِي
الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً﴾ (مريم:41)،
وقال في إدريس u:﴿
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً﴾ (مريم:56)،
وقال في إسماعيل u:﴿
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ
رَسُولاً نَبِيّاً﴾ (مريم:54)، وقال في يوسف u:﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ﴾
(يوسف: 46)
قلت: فما دام الأمر خاصا بالأنبياء.. فليس لي حق في أن أطلب ما لا
يكون.
قال: إن الأنبياء هم محل القدوة.. والله لم يرسلهم إلا لنسير على
خطاهم ونهتدي بهديهم، ألم تسمع قوله a:(من قرأ القرآن فكأنما أدرجت النبوة بين جبينه غير أنه لا يوحى