بينما أنا كذلك أخاطب نفسي بهذا ومثله.. وفي قلبي من الغليان ما لا
يعلمه إلا الله.. شعرت بشخص يقترب مني، ثم يخاطبني بصوت جهوري جميل قائلا: ارفع
بها صوتك.. لتعلو برفعه الرايات، وتنتشر المكرمات.
قلت: أنت صاحب المشعل الثامن من مشاعل الهداية إذن؟
قال: إن كان الخطيب هو صاحب ذلك المشعل، فأنت أمامه؟
قلت: لكني لا أرى للخطابة أي تأثير..
قال: عندما يكون الخطيب ميتا، فلن يكون لخطبته أي تأثير، فلا يمكن
للميت الذي لا يملك الحياة أن ينشر الحياة في غيره.
قلت: أيمكن أن يعلو ميت تلك الخشبة المقدسة التي تشرفت بصعود رسول
الله a على درجاتها؟
قال: ما أكثرهم.. ما أكثر أولئك الميتين الذي ينشرون الموت.
قلت: فكيف يحيون؟
قال: أترى هذا الجامع؟
قلت: أجل.. وكيف لا أراه.. إنه جامع القرويين.. قد كنت أسمع أحاديث
عذبة عنه، وأنا الآن بين يديه.
قال: في هذا المسجد نجمع الخطباء لنعيد لهم الحياة.. ولنعيد لخطبهم
الحياة.
قلت: بم؟.. ألديكم الإكسير الذي ينشر الحياة في الموتى؟
قال: أجل.. لقد ترك لنا رسول الله a هديا كثيرا، وقد اهتدينا به للوصول إلى
هذا الإكسير.. فإن شئت أن تنال شيئا منه لتبشر به، فهلم معي.
قلت: وأولئك الغلاظ.. أتراهم مطمئنين إلى ما أنتم فيه؟.. ألا تخشى أن
يداهموننا