قال: بعد أن خرجت من تونس، جاءني خطاب من بعض أهلي لأسير إلى دمشق في
حاجة عرضت لهم فيها، فأسرعت أحث خطاي إليها تاركا بعض قلبي في ذلك البلد الصالح
الذي امتلأت فيه بحب سحنون، وحب من يحيط به من العلماء والصالحين.
في دمشق، التقيت الوارث التاسع الذي تعلمت على يديه فن الاحتساب، وهو
الفن التاسع من فنون الهداية.. وقد قدر الله أن يكون هذا الوارث سببا في قضاء
الحاجة التي تركت تونس من أجلها.
في ديوان المظالم.. في دمشق.. وهو ديوان كانت دمشق لا تزال تحتفظ به،
ولا تزال تحتفظ باسمه، وقفت أمام المسؤول عنه أعرض حاجتي، وكان المسؤول قاسيا
شديدا، وكأنه مطمئن إلى أنه الخصم والحكم، وأنه ليس هناك من ديوان يعقب على
ديوانه، ويستأنف أحكامه على الأحكام التي يصدرها ديوانه.
بعد أن خرجت يائسا من عنده، وأنا أقول في نفسي: هذا ديوان الظلمة، لا
ديوان المظالم.. وهؤلاء خصوم، لا محامون.. وعند هؤلاء تموت الحقوق.. لا ترد
الحقوق.
ما قلت هذا حتى وقف بجانبي بهامة أرفع من الجبال، وقال: ارفع صوتك
بها.. فلا يمكن للصوت المنخفض أن يفعل شيئا.
قلت: أتريد أن تزج بي في السجن؟
قال: إن كان السجن هو ثمن صوت الحقيقة العالي، فادفع هذا الثمن، فلا يمكن للمستضعف أن يخرج من ضعفه إلا برفع
صوته.
قلت: أنت تحضني على الثورة؟
قال: أنا أحضك على ثورة أهل السلام، لا على
ثورة أهل الصراع.