بالإضافة إلى
هذا، فإنكم تجدون لهذا نظائر في القلوب المعظمة لملوك الأرض، حتى إن خدم الملك قد
لا يحسون بما يجري عليهم في مجالس الملوك لشدّة استغراقهم بهم.. بل قد يشتغل القلب
بمهم حقير من مهمات الدنيا فيغوص الرجل في الفكر فيه ويمشي فربما يجاوز الموضع
الذي قصده وينسى الشغل الذي نهض له.
وقد قيل لعبد
الواحد بن زيد: هل تعرف في زمانك هذا رجلاً قد اشتغل بحاله عن الخلق؟ فقال: ما
أعرف إلا رجلاً سيدخل عليكم الساعة فما كان إلا سريعاً حتى دخل عتبة الغلام، فقال
له عبد الواحد بن زيد: من أين جئت يا عتبة؟ فقال من موضع كذا ـ وكان طريقه على السوق
ـ فقال: من لقيت في الطريق؟ فقال: ما رأيت أحداً.
وحكي عن
بعضهم أنه قال: مررت بجماعة يترامون وواحد جالس بعيداً منهم، فتقدّمت إليه فأردت
أن أكلمه فقال: ذكر الله تعالى أشهى فقلت: أنت وحدك؟ فقال: معي ربـي وملكاي فقلت:
من سبق من هؤلاء؟ فقال: من غفر الله له، فقلت: أين الطريق؟ فأشار نحو السماء وقام
ومشى وقال: أكثر خلقك شاغل عنك.
ودخل الشبلي
على أبـي الحسين النووي وهو معتكف فوجده ساكناً حسن الاجتماع لا يتحرّك من ظاهره
شيء فقال له: من أين أخذت هذه المراقبة والسكون؟ فقال: من سنور كانت لنا، فكانت
إذا أرادت الصيد رابطت رأس الحجر لا تتحرّك لها شعرة.
وقال أبو عبد
الله بن خفيف، خرجت من مصر أريد الرملة للقاء أبـي علي الروذباري فقال لي عيسى بن
يونس المصري : إن في صور شاباً وكهلاً قد اجتمعا على حال المراقبة، فلو نظرت
إليهما نظرة لعلك تستفيد منهما؟ فدخلت صوراً وأنا جائع عطشان وفي وسطي خرقة وليس
على كتفي شيء، فدخلت المسجد فإذا بشخصين قاعدين مستقبلي القبلة