الباعثة عليه وخلق الآلات المسخرة للشهوة فيه.. وهذا
مقام ذوي الألباب.
وقسم
ينظرون فيه بعين المقت والكراهة ويلاحظون وجه الاضطرار إليه وبودهم لو استغنوا عنه،
ولكن يرون أنفسهم مقهورين فيه مسخرين لشهواته، وهذا مقام الزاهدين.
وقسم يرون
في الصنعة الصانع، ويترقون منها إلى صفات الخالق، فتكون مشاهدة ذلك سبباً لتذكر
أبواب من الفكر تنفتح عليهم بسببه، وهو أعلى المقامات، وهو من مقامات العارفين،
وعلامات المحبـين، إذ المحب إإذا رأى صنعة حبـيبه وكتابه وتصنيفه نسي الصنعة
واشتغل قلبه بالصانع.
وقسم ينظرون
إليه بعين الرغبة والحرص، فيتأسفون على ما فاتهم منه ويفرحون بما حضرهم من جملته،
ويذمون منه ما لا يوافق هواهم ويعيبونه ويذمون فاعله فيذمون الطبـيخ والطباخ، ولا
يعلمون أن الفاعل للطبـيخ والطباخ ولقدرته ولعلمه هو الله تعالى، وأن من ذم شيئاً
من خلق الله بغير إذن الله فقد ذم الله.
قلنا: إن ما
ذكرته شديد.. فهل لك من ترياق ييسره؟
قال: أجل..
أرأيتم لو طلب منكم مراقبة ساعة واحدة على الحال التي وصفت.. هل ترون ذلك يسيرا؟
قلنا: أجل..
ما أيسر ذلك.
قال: ما دمتم
قد ذكرتم ذلك.. فاعلموا أن ساعات الإنسان ثلاثة: ساعة مضت لا تعب فيها على العبد
كيفما انقضت في مشقة أو رفاهية.. وساعة مستقبلة لم تأت بعد لا يدري العبد أيعيش
إليها أم لا، ولا يدري ما يقضي الله فيها.. وساعة راهنة ينبغي أن يجاهد فيها نفسه
ويراقب فيها ربه.
فإن لم تأته
الساعة الثانية لم يتحسر على فوات هذه الساعة، وإن أتته الساعة الثانية استوفى حقه
منها كما استوفى من الأولى.. ولا يطول أمله خمسين سنة فيطول عليه العزم