إنك لم تزل بـي براً أيام حياتي فلا تقطع عني برك بعد
مماتي ولقد رجوت ممن تولاني في حياتي بإحسانه أن يسعفني عند مماتي بغفرانه، إلهي
كيف أيأس من حسن نظرك بعد مماتي ولم تولني إلا الجميل في حياتي، إلهي إن كانت
ذنوبـي قد أخافتني فإن محبتي لك قد أجارتني فتول من أمري ما أنت أهله وعد بفضلك
على من غره جهله، إلهي لو أردت إهانتي لما هديتني ولو أردت فضيحتي لم تسترني
فمتعني بما له هديتني وأدم لي ما به سترتني، إلهي ما أظنك تردني في حاجة أفنيت
فيها عمري، إلهي لولا ما قارفت من الذنوب ما خفت عقابك، ولولا ما عرفت من كرمك ما
رجوت ثوابك.
وقال
الخواص: دخلنا على رحلة العابدة، وكانت قد صامت حتى اسودت وبكت حتى عميت وصلت حتى
أقعدت، وكانت تصلي قاعدة فسلمنا عليها ثم ذكرناها شيئاً من العفو ليهون عليها
الأمر، قال: فشهقت ثم قالت: علمي بنفسي قرح فؤادي وكلم كبدي والله لوددت أن الله
لم يخلقني ولم أك شيئاً مذكوراً، ثم أقبلت على صلاتها.
قال رجل منا:
نعم ما ذكرت يا شيخ.. ولكنهم كانوا في وقت يجدون فيه أعوانا على الخير.. ونحن لا
نجد من ذلك قليل أو كثير.. والمصيبة إذا عمت طابت.
قال: ما
ذكرته خدعة من خدع النفس.. فلا تنخدع بخداعها، وقل لها: أرأيت لو هجم سيل جارف
يغرق أهل البلد، وثبتوا على مواضعهم، ولم يأخذوا حذرهم لجهلهم بحقيقة الحال، وقدرت
أنت على أن تفارقيهم وتركبـي في سفينة تتخلصين بها من الغرق، فهل يختلج في نفسك،
أن المصيبة إذا عمت طابت، أم تتركين موافقتهم وتستجهلينهم في صنيعهم وتأخذين حذرك
مما دهاك، فإذا كنت تتركين موافقتهم خوفاً من الغرق وعذاب الغرق لا يتمادى إلا
ساعة فكيف لا تهربـين من عذاب الأبد وأنت متعرضة له في كل حال؟ ومن أين تطيب
المصيبة إذا عمت ولأهل النار شغل شاغل عن الالتفات إلى العموم والخصوص؟ ولم يهلك
الكفار إلا بموافقة أهل زمانهم حيث قالوا :﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا
عَلَى