بينما هما في
هذه الأحاديث وغيرها إذ دخل عليهما رجل، وقال: هلما بنا لنحضر حفل افتتاح مدرسة
جديدة بناها بعض أهل الله في هذه البلدة.. وهو من الكرام الذين شرفهم الله بأن
يتسموا باسنم إبراهيم الخليل.. وقد سماها (مدرسة الرفق)، وقد ذكر لي أنه يريد من
خلالها أن يحيي سنة الرفق التي يرى أن هناك من يحاول إماتتها.
لم أجد إلا
أن أسير معهما إلى هذه المدرسة.. وقد رأيتها كسائر المدارس تضم أقساما كثيرة.. وقد
شرفني الله، فتعلمت في سبعة أقسام منها.. وعلى مشايخ لا زلت أفخر بالانتساب إليهم،
والتعلم على أيديهم.
1 ـ الرحمة
قلت: فمن
أولهم.. من أول مشايخك في هذه المدرسة؟ وماذا تعلمت على يديه؟
قال: أول
مشايخي في هذه المدرسة رجل من أهل أصفهان امتلأ علما بجهله، ثم امتلأ علما بعلمه،
فصار من الذين يدرون، ويدرون أنهم يدرون.. كان يقال له (أبو القاسم الاصفهاني)[1]، وهو يعرف بين تلاميذه بالراغب.
قلت: ما أوقح
هؤلاء التلاميذ.. كيف اختاروا لشيخهم هذا الاسم؟
قال: هم لم
يريدوا ما فهمت.. هم لا يعرفون من الرغبة إلا الرغبة في الله، وفيما عند
[1]
أشير به إلى الراغب الاصفهاني ( ت 502 هـ) وهو الحسين بن محمد بن المفضل، أبو
القاسم الأصفهاني (أو الاصبهاني) المعروف بالراغب: أديب، من الحكماء العلماء.. من
أهل (أصبهان) سكن بغداد، واشتهر، حتى كان يقرن بالامام الغزالي.. من كتبه (محاضرات
الأدباء)، و(الذريعة إلى مكارم الشريعة) و(الأخلاق) ويسمى (أخلاق الراغب) و(جامع
التفاسير) أخذ عنه البيضاوي في تفسيره، و(المفردات في غريب القرآن) و(حل متشابهات
القرآن) و(تفصيل النشأتين) في الحكمة وعلم النفس، و(تحقيق البيان) في اللغة
والحكمة، وكتاب في (الاعتقاد) و(أفانين البلاغة) (انظر: الأعلام للزركلي)