فكيف لهم بالفلاح والهدى بعد ما أصيبوا في عقولهم
وأديانهم، وأنى لهم التخلص من الضلال والردى، وقد اشتروا الكفر بإيمانهم.. فما
أخسر تجارتهم البائرة، وقد استبدلوا بالرحيق المختوم حريقا :﴿ فَكَيْفَ
إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62)﴾
(النساء)
قلت: لقد
وصفتهم.. وأطلت في وصفهم.
قال: لا
تستطل أوصاف القوم، فالمتروك أكثر من المذكور.. بل كاد القرآن كله أن يكون في
شأنهم، لكثرتهم على ظهر الأرض وفي أجواف القبور، فلو خلت بقاع الأرض منهم لاستوحش
المؤمنون في الطرقات، ولتعطلت بفقدهم أسباب المعايش، وقد سمع حذيفة رجلا يقول :
اللهم أهلك المنافقين، فقال : ( يا ابن أخي، لو هلك المنافقون لاستوحشتم في
طرقاتكم من قلة السالك)
قلت: لقد
ملأتني بالمخافة.. فلعلي أكون أحدهم ولا أعلم.
قال: حدث ابن
أبي مليكة، قال: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي a،
كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: (إنه على إيمان جبريل وميكائيل)..
وحدث جبير بن
نفير قال: دخلت على أبي الدرداء منزله بحمص، فإذا هو قائم يصلي في مسجده، فلما جلس
يتشهد فجعل يتعوذ بالله من النفاق، فلما انصرف قلت له: غفر الله لك يا أبا الدرداء،
ما أنت والنفاق!؟ ما شأنك وما شأن النفاق!؟ فقال: (اللهم غفرا- ثلاثا- لا يأمن
البلاء من يأمن البلاء، والله إن الرجل ليفتن في ساعة واحدة فينقلب عن دينه)
***
بعد أن سئمت
نفسي وضاقت من تلك الدركات الخطيرة التي رأيت فيها الإنسان بأبشع صوره وأشكاله،
طلبت من صاحبي الواعظ أن نخرج منها، فأخرجني، وكلفني بالقيام بمجاهدات كثيرة
للتخلص من آثار ذلك الشراب الذي شربته.