بل إن
الإيمان ليصل بصاحبه إلى مرتبة أعلى وأشرف، وهي المرتبة التي يرى فيها المؤمن
الموت الذي يخافه الجبان بصورة المحل الذي يلقى فيه كل ما هفت إليه نفسه في الدنيا
وقصرت عنه يداه، فهو الباب الذي تنفتح من كوته الأماني، وتتحقق الرغبات، فهو قدوم
على الله، ومن لا يحب القدوم على الله، وقد قيل لأعرابي اشتد مرضه: إنك ستموت،
فقال: وإلى أين يذهب بي بعد الموت؟ قالوا: إلى الله، فقال: ويحكم، وكيف أخاف
الذهاب إلى من لا أرى الخير إلا من عنده؟
ولهذا قال
يحيى بن معاذ:( لا يكره لقاء الموت إلا مريب، فهو الذي يقرب الحبيب من الحبيب)
ولهذا أخبر
الله تعالى أن الملائكة تبشر المؤمنين، وتنهاهم عن الاستسلام لشبح الخوف والحزن،
وتذكرهم بالمصير الذي يقدمون عليه، قال تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا
رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا
تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ
(30)﴾ (فصلت)
وانطلاقا من
هذه المعارف الإيمانية صاح سحرة فرعون في وجه فرعون بقوة الإيمان :﴿ لَنْ
نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ
مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)﴾
(طـه)
وعلى خطاهم
سار الصالحون متحدين كل المشانق التي نصبت لهم، وعاصفين بكل