قال:
إن أخطر وسيلة يستعملها الشيطان لصرف عوام الناس عن الدين هي ذلك التشدد الذي يظهر
به المتدينون، والذي يجعل العامة ينفرون منه، خوفا على حياتهم أن تنقلب رأسا على
عقب.
قلت:
ولكن ألا ترى الدين والتدين شيء شخصي؛ فكل شخص يحاسب وحده، ﴿وَلَا تَكْسِبُ
كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾
[الأنعام: 164]، وقد قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى
اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
[المائدة: 105]
قال:
وقد قال الله تعالى معها، وموضحا لها: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا
عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ
فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78، 79]
قلت:
فما فيها من العلم، وكيف ترى عدم تعارضها مع الآية التي ذكرتها؟
قال:
القرآن الكريم ﴿ كِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ
بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾
[فصلت: 41، 42]، ولذلك لا تفهم متشابهه إلا على ضوء محكمه.
قلت:
فما المحكم بين كلا الآيتين، وكيف يفهم المتشابه على أساسها؟
قال:
المحكم هو ما نصت عليه تلك الآية الكريمة التي وردت نظائرها الكثيرة في القرآن
الكريم تدعو إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإصلاح المجتمع، وفي جميع
المجالات.. وتعتبر القاعد عن ذلك ملعونا ومطرودا عن رحمة الله.
قلت:
والمتشابه الوارد في الآية التي ذكرتها، والتي تدعو كل شخص لأن يقوم بما عليه،
وأنه لا يحاسب على عمل غيره.