المغرب
في بعض مساجدها.. عرفت بعد ذلك أن اسمه (شداد).. وكان كأنه (شداد بن أوس)[1]
الحقيقي.. ذلك الصحابي الجليل الذي امتلأ قلبه خشية من الله.
وقف
يصلي بجانبي في الصف.. وقرأ الإمام حينها قوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ
وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ
مَحْذُورًا﴾ [الإسراء: 57]
شعرت
بجسمه يرتعش جميعا.. وكأنه كما قال الشاعر:
وإنى لتعرونى لذاكراك هزة كما انتفض العصفور بلله القطر
قرأ
الإمام في الركعة الثانية قوله تعالى : ﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا
نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا
شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴾ [الإسراء: 58]، فشعرت
بجسمه يزداد ارتعاشا.. وبدموعه، وهي تفيض من غير حساب..
عندما
انتهينا من الصلاة نظرت إليه.. فوجدته هائما مستغرقا، وكأنه ينظر إلى شيء لا أراه،
أو يستمع إلى شيء لا أسمع له.
في ذلك
الحين خطر على بالي أن أتبعه لأرى حقيقته.. فقد شعرت بأن لديه من أسرار الحياة ما
يمكن أن ينفعني الله به..
انتظرت
إلى أن أنهى أذكاره.. وصلاته.. وما أجمل صلاته، وما أرقها..
بعد أن
انتهى منها جميعا ذهبت إليه، وقلت له: أنا رجل قد انقطعت بي السبل
[1] أشير به إلى شداد بن أوس، وقد كان
من صحابة رسول الله a، وكان له عبادة واجتهاد..
وقد اخترناه هنا لما روي عنه من الروايات الدالة على اجتهاده بسبب خوفه من عذاب
الله.. ومما يروى في ذلك عنه أنه كان إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه لا يأتيه
النوم فيقول : ( اللهم ان النار اذهبت مني النوم، فيقوم فيصلي حتى يصبح)، ووصفه
بعضهم، فقال : (كان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كان حبة على مقلى فيقول: اللهم
ان النار قد اسهرتني ثم يقوم إلى الصلاة)