أخرج
مصحفا من جيبه، وقال: اقرأ هذا الكتاب.. وسترى فيه كل حقائق الوجود.. فقط كن صادقا
معه، وامسح عن قلبك كل ذلك الران الذي ملأه.. وستسمع الله نفسه يحدثك.
كان
الرجل ممتلئا بالصدق والوقار، ويظهر عليه كل سيما الصالحين، فلذلك أخذت المصحف
منه، وشكرته، وقد كان ذلك من باب المجاملة، وقطع الحوار، لا أكثر.. فانصرف، وهو
يقول: أسأل الله كما أمسكته يداك أن يمسكه قلبك..
لست
أدري كيف خطر لي بعد ذهابه أن أفتحه، وبمجرد فتحي له، وقعت عيني على قوله تعالى: ﴿كُلُّ
نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ
وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]
رحت
أتأمله، وأتأمل الحقائق التي يحويها.. فإذا بي أرى فيها كل شيء.. فالموت الذي ذكره
القرآن الكريم يختلف عن الموت الذي ذكره لي فلاسفة التشاؤم.. الموت الذي ذكره
القرآن الكريم مرحلة بسيطة في سلم الحياة، وبعدها تكون السعادة، أو يكون الشقاء.
وقد
جعلني ذلك أبحث فيه عن أسرار الفوز والسعادة، فوجدتها كلها من الخلال النبيلة
والأخلاق الطيبة.. لقد قرأت في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ
هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ
مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى
وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ
وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)
أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ