قال: العقل عقلان.. عقل يعقل به صاحبه المعاني، وعقل يعقله عن الطيش والعجلة والعنف.. ويملؤه بالحكمة والتؤدة واللطف.
قلت: أراك تومئ إلى الحلم.
قال: أجل.. فلا خير في صديق عجول، يغضب لأدنى الأسباب، ويقطع حبال المودة والألفة لأقل خطأ يراه.
قلت: إن مثل هذا لا يحسن له أن يصحب إلا المعصومين، وإلا فإن كل البشر خطاءون.. ولا يمكن أن يجد معصوما.
قال: إن مثل هذا لن يقبل حتى بصحبة المعصومين.
قلت: كيف؟
قال: ألم تسمع بذلك الرجل الذي قال لرسول الله a: (اعدل يا محمد فإنك لم تعدل)
قلت: بلى.. وقد قال له رسول الله a حينها: (ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل.. قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل)[1]
قال: فهذا الرجل كان يملك عقلا مملوءا بالطيش والتهور والجهل، ولذلك اعتبر نفسه ميزانا يزن به الحقائق والقيم.. بل يزن به أعمال رسول الله a نفسها.
قلت: هل تقصد أن مثل هذا لا تحسن صحبته؟
قال: أجل.. لأنه لا يريدك أن تمارس حياتك بحسب ما ترتضيه من القيم، وإنما يريد أن يقلب حياتك لما يراه منها.. ولذلك قد يرى صوابك خطأ، وعدلك ظلما.
قلت: ولكنه قد يكون ناصحا بذلك.
[1] البخاري (3610) ومسلم (1064)