نام کتاب : مثالب النفس الأمارة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 116
بها
الحيزوم، ويغصّ بها الحلقوم، حين لا يسمعه النداء، ولا يروعه الدعاء، فيا طول
الحزن عند انقطاع الأجل. ثمّ يراح به على شرجع تقلّه أكفّ أربع، فيضجع في قبره في
لبث، وضيق جدث، فذهبت الجدّة، وانقطعت المدة، ورفضته العطفة، وقطعته اللطفة، لا
تقاربه الإخلاء، ولا تلمّ به الزوّار، ولا اتّسقت به الدار. انقطع دونه الأثر،
واستعجم دونه الخبر، وبكّرت ورثته، فأقسمت تركته، ولحقه الحوب، وأحاطت به الذنوب،
فإن يكن قدّم خيرا طاب مكسبه، وإن يكن قدّم شرّا تبّ منقلبه، وكيف ينفع نفسا
قرارها، والموت قصارها، والقبر مزارها؟ فكفى بهذا واعظا كفى) ([114])
وطلب منه بعضهم أن يصف الدنيا،
فقال: (ما أصف لك من دار من صحّ فيها ما آمن، ومن سقم فيها ندم، ومن افتقر فيها
حزن، ومن استغنى فيها فتن، في حلالها الحساب، وفي حرامها العذاب)
وسئل عن ذلك مرّة أخرى، فقال: (أطوّل
أو أقصّر؟) فقال السائل: قصّر، فقال: (حلالها حساب وحرامها عذاب)([115])
ولم
يكن ذلك منه مجرد كلمات، وإنما كانت حقائق عاشها، ورآها أصحابها، الذين قال بعضهم
في وصفه: (كان والله! بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجّر
العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من لسانه، يستوحش من الدنيا وزخرفها، ويستأنس
بالليل ووحشته، وكان غزير الدمعة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن
الطعام ما جشب، وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن
ـ والله! ـ مع تقرّبه لنا وقربه منا لا نكاد نكلّمه هيبة له، يعظّم أهل الدين،
ويقرّب المساكين،