ولذلك اعتبر الله تعالى أولئك
الذين أعموا عقولهم عن شريعة ربهم، وهداتها، ومصادرها المقدسة، من الذين رموا
بالسراج من أيديهم، ليخبطوا بعقولهم المجردة في الظلمات من غير أي دليل، كما قال
تعالى ـ تعقيبا على الآيات السابقة ـ: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا
فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي الناسِ كَمَنْ مَثَلُهُ
فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 122]
ثم ذكر أن الذي يتولى هذا النوع
من الهوى في كل قرية أو أمة كبار المجرمين والمضللين الذين ينتخبهم الشيطان
للنيابة عنه في هذا الدور، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ
قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا
بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [الأنعام: 123]
والآية الكريمة تشير إلى أن أول
ما يُميز به الحق عن الهوى هو البحث عن أولئك المجرمين المبدلين المغيرين الذين
أخضعوا الدين للعقول المجردة، أو الأمزجة المتقلبة، ولذلك يذكر القرآن الكريم ذلك
الصراع الذي يدور في ساحات القيامة بين التابعين والمتبوعين الذين تركوا عقولهم،
وسلموها لساداتهم، فصاروا هم المتحكمين فيها، قال تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ
الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ
وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَن
لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ
الله أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النارِ﴾
[البقرة: 166، 167]
ولهذا، فإن أول ما يفعله العقل
الذي يريد التخلص من الأهواء البحث عن الهداة الحقيقيين الذين يملكون السراج
المنير، لأن من عداهم سيؤدي إلى الضلالة والانحراف،
نام کتاب : مثالب النفس الأمارة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 93