قلت: لقد ذكرتني بقول علي لنوف البكالي: (يا نوف، إن اللّه
أوحى إلى داود أن مر بني إسرائيل ألا يدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة،
وأبصار خاشعة، وأيد نقية، فإني لا أستجيب لأحد منهم، ما دام لأحد من خلقي مظلمة)
وقد ذكر ابن عطاء شروط الدعاء ودعائمه التي يقوم عليها، فقال:
(إن للدعاء أركانا وأجنحة وأسبابا وأوقاتا، فإن وافق أركانه قوي، وإن وافق أجنحته
طار في السماء، وإن وافق مواقيته فاز، وإن وافق أسبابه أنجح. فأركانه حضور القلب
والرأفة والاستكانة والخشوع، وأجنحته الصدق، ومواقيته الأسحار، وأسبابه الصلاة على
محمد a)
وعندما سئل إبراهيم بن أدهم: ما بالنا ندعو فلا يستجاب
لنا؟ قال بقوة وصراحة: (لأنكم عرفتم اللّه فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول فلم تتبعوا
سنته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نعم اللّه فلم تؤدوا شكرها، وعرفتم
الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه
ووافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا، وتركتم
عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس)
قال: ولكن مع ذلك، لا ييأس المؤمن من رحمة الله مهما كثرت
خطاياه أو حالت الحوائل بينه وبين الإجابة، فرحمة الله أشمل وأعم، وقد قال بعضهم: (لا
يمنعن أحدا من الدعاء ما يعلمه من نفسه فإن اللّه قد أجاب دعاء شر الخلق إبليس،
قال:﴿ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ
الْمُنْظَرِينَ﴾
(الحجر:36 ـ 37))
قلت: فهذا هو علاج هذه العلة إذن.
قال: هذه ناحية من العلاج.
قلت: أهناك ناحية أخرى؟
قال: أجل.. فإن الدعاء يقتضي اليقين في الله وفي فضله
وقدرته، فلذلك إن دعا يائسا من الإجابة كان ذلك حائلا بينه وبين استجابة دعائه.