لا شك أن
الكثير من المتألمين الذين تذوقوا بعض الجرعات الشديدة من الحزن والألم والمصائب
يشعرون في قرارة أنفسهم ـ عبروا أو لم يعبروا ـ بأنواع من الصراع والاعتراض على
مقادير الله.. فهم يتساءلون عن سرها.. وعن سر نزولها بهم دون غيرهم.. وعن علاقتها
بالرحمة الإلهية التي هي منبع كل شيء ومنتهاه..
وكل تلك
الاعتراضات المتصاعدة مع أناتهم تجعلهم لا يعيشون السلام مع أنفسهم، ولا مع الكون،
ولا مع رب الكون، ولا مع النظام الذي أنشأ الله به كونه.. ولذلك كانت آثار ذلك
الأنين أخطر بكثير من الأنين نفسه.. وكان أثر الألم أعظم تأثيرا على أرواحهم
وعلاقتهم بربهم من الألم نفسه.
ولذلك
حاولنا في هذه الرسالة أن نعالج جراح الروح التي أحدثها ألم الجسد.. لنحول من أنين
الجسد ابتسامة للروح ثقة بربها، وسلاما معه، ومع نظامه الذي أبدعه، ومقاديره التي
قدرها.
وقد قاد
الرحلة في هذه الرسالة – كأكثر
رسائل السلام – (معلم
السلام) الذي أخذ تلميذه المتألم المصارع إلى (مستشفى السلام) ليرى كيف يحول أهل
السلام من الألم أملا، ومن الأنين ابتسامة، ومن الحزن صلة مع الله، ومن المصائب
جسورا للوصول إلى فضل الله ورحمته التي وسعت كل شيء.
وهذا المستشفى مكون من أربعة حصون .. كل حصن يعالج
ألما من آلام الروح، ويزرع ابتسامة عذبة تفيض من قلب المتألم لتمسح آلامه، والصراع
الذي أحدثته آلامه، وهي:
حصن الغيبة: وهو الحصن الذي يغيب فيه المتألم عن
ألمه بسبب معرفته بربه وحبه له ورضاه عنه وسكونه إليه .. أو بسبب رؤية ما أعد الله
لأهل البلاء من أنواع الجزاء.