قلت: هنيئا للفقراء هذه النعم العظيمة التي يحملها فقرهم.
قال المعلم: لقد عرفت عند رحلتك لكنوز الفقراء كيف يطير
الافتقار بالمؤمن، فلا يقف به إلا على باب الله تعالى، فيتوجه بكل كيانه إلى
الرحيم الرحمن، كما يتوجه الصبي إلى أحضان أمه، فيكسب بالتجائه من اللذة ما ينسيه
إلى كل ألم، بل يكون ذلك الألم هو طريق الأشواك القصير المحدود الذي أوصله إلى الجنان
المزهرة.
قال: أجل.. وقد سئل سهل التستري: (أيسجد القلب؟)، فقال: (نعم،
يسجد سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللقاء)
قلت: فهذا السجود الخاشع الدائم الذي يسجده القلب لا يكون
إلا بالافتقار إلى الله.
قال: يحكى في هذا عن بعض العارفين أنه قال: (دخلت على الله
من أبواب الطاعات كلها، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام، فلم أتمكن من
الدخول حتى جئت باب الذل والافتقار، فإذا هو أقرب باب إليه وأوسعه ولا مزاحم فيه
ولا معوق، فما هو إلا أن وضعت