الذي عاشه، والذي لا تزال ترتسم ذكرياته في ذهنه يستأنس
بها.
قلت: ألهذا إشارة من القرآن الكريم؟
قال: أجل، قوله تعالى:﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ
فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ﴾ (التوبة:25)، فقد وردت هذه
الآية في موضع من مواضع الألم تذكرهم بأفضال الله السابقة لتملأهم أنسا بها.
قلت: لقد قال الشاعر في هذا وأحسن:
فلا تجزع وإن أعسرت يوماً
فقد
أيسرت في الزمن الطويل
ولا تظنن بربّك ظنّ سوءٍ
فإنّ الله أولى بالجميل
قال: هذه سنة الله في عباده، فهو يبتلي بالسراء والضراء،
فمن ابتلي بالسراء لا بد أن يبتلى ببعض الضراء، ومن رحمة الله محدودية الضراء بجنب
السراء.
قلت: لقد أشار ابن مسعود إلى هذا بقوله: (لكل فرحةٍ
تَرْحة، وما مُلِىءَ بيتٌ فرحاً إلا مُلِىءَ تَرحاً)
قلت: فما سر جعل البلاء محدودا؟
قال: لأن القصد منه هو الاختبار، والاختبار محدود من حيث
الأسئلة المطروحة فيه، ومن حيث المدة التي تطرح فيها تلك الأسئلة.
قلت: فما هي المكاسب التي أنالها من هذه المحدودية؟
قال: أول مكسب لك في هذا هو تقليل عدد مصائبك وتحجيمها، بل
تقزيمها، كما قال بعض الصالحين: (إذا نزلت بك مصيبة فصبرت، كانت مصيبتك واحدة، وإن
نزلت بك ولـم تصبر، فقد أُصبت بمصيبتين: فقدان المحبوب، وفقدان الثواب)
قلت: لقد ذكرتني ـ يا معلم ـ بأحاديث جميلة للصالحين،
فإنهم لا يغفلون بما حل بهم من بلاء عما بهم من نعم الله:
فقد حدث بعض الصالحين، قال: مررت بعريش من مصر وأنا أريد
الرباط، فإذا أنا