قال
الغزالي عند ذكره لمراتب السالكين في التوحيد:( الرابعة أن لا يرى في الوجود إِلا
واحداً، وهي مشاهدة الصديقين، وتسميه الصوفية الفناء في التوحيد؛ لأنه من حيث لا
يرى إِلا واحداً، فلا يرى نفسه أيضاً، وإذا لم ير نفسه لكونه مستغرقاً في التوحيد،
كان فانياً عن نفسه في توحيده، بمعنى أنه فني عن رؤية نفسه والخلق)[1]
ويقول
ابن القيم شارحا هذا الحال: ( وإن لم تكن ذاته فانية في الحال مضمحلة، فتغيب صور
الموجودات في شهود العبد، بحيث تكون كأنها دخلت في العدم، كما كانت قبل أن توجد،
ويبقى الحق تعالى ذو الجلال والإكرام وحده في قلب الشاهد، كما كان وحده قبل إيجاد
العوالم)[2]
وهذا
الفناء مرحلة من مراحل السير، أو هو لمعة تلمع في ذهن العارف ووعيه بعد المكابدة
والتأمل، ليعود بعدها إلى الكون الحقيقي، وهو الكون المؤسس بنور الله، والموجود
بإبداع الله، ليقرأه باسم الله.
فالعارف
لا يحتقر الكون بإعدامه، وإنما يرفعه بأن يلبسه لباس العبودية