الحياة
لا تكفي وحدها لتعقد مواثيق الصداقة بيننا وبين الكون.. فكم من حي هو أشبه بميت،
وكم من حي هو أعدى لنا من ميت..
ولذلك،
فإن هناك مقاما آخر من مقامات الكون، وخاصة من خواصه ترفع الصداقة بيننا وبين
الكون لتجعلها في مرتبة الأخوة في الله.. وتجعل المحبة بيننا وبينه محبة في الله.
هذه
الخاصة.. وتلك الصفة الرفيعة هي العبودية لله..
وانطلاقا
من النصوص المقدسة ـ التي هي مرجعنا الوحيد في هذا الباب ـ فإن الكون ليس حيا فقط،
بل هو حي عابد، يعرف ربه، ويتوجه له بأنواع التسبيح والعبادة، تسبيحا يفقهه، ويدرك
معانيه، قال تعالى:﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ
وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا
تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ (الاسراء:44)
ومثلما
ذكرنا في تسرب النظرة المادية للنصوص الدالة على حياة الكون، والتي تنطلق من
النظرة الحسية أو العقلية المستعبدة للحس، فإن هذه النظرة، وما تستخدمه من فنون
التأويل سرى إلى الكون العابد وذلك بقصر عبادته على عبودية الدلالة دون أن يكون له
في ذاته عبودية يتوجه بها بوعيه إلى الله.
فقال
هؤلاء:( إن تسبيح الجمادات أنها تدعو الناظر إليها إلى أن يقول: سبحان الله)، وذلك
لعدم توفر الإدراك لها كما قال الشاعر: