السر الثاني من أسرار
الأقدار هو سر العدل الإلهي، فجميع الأقدار الإلهية تحمل معاني العدل المطلق الذي
لا تشوبه شوائب الظلم.
وهذا السر مقترن
بالتوحيد اقترانا ضروريا لا انفصال لأحدهما عن الآخر، فالعدل يقتضي التوحيد،
والتوحيد يقتضي العدل.
أما اقتضاء العدل
للتوحيد، فإن الشخص إن كلف تكاليف مختلفة من جهات متعددة، ثم حوكم في محاكم مختلفة
من قضاة متناقضين كان ذلك منتهى الجور، ولكن العدل الإلهي مستند إلى التوحيد
الإلهي، فالعبد لا يكلف إلا من رب واحد، وهو الذي يتولى جزاءه، فلا يخاف ظلما ولا
هضما.
أما اقتضاء التوحيد
للعدل، فإن من أعظم أسباب الجور فقر الجائر لمن جار له بأي نوع من أنواع الافتقار،
أو بغضه للمجور لعلة من العلل، والله تعالى الغني عن عباده، لا يفتقر لأحد منهم،
وينزه عن العلل التي يقع بسببها الجور والظلم.
ولهذا ورد في النصوص
الجمع بين التوحيد والعدل، ومن ذلك قوله تعالى حاكيا
قول هود u لقومه:﴿
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا
هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (هود:56)
فهذه الآية الكريمة
تجمع بين سري العدل والتوحيد، بل تسند أحدهما للآخر:
أما سر التوحيد الذي هو
أساس التوكل كما أنه أساس العدل، فقد عبر عنه بقوله:﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ﴾ أي
لا يخرج أي شيء عن قهره وسلطانه.
وأما سر العدل، والذي
جاء مستدركا لما قد يفهم خطأ من التوحيد، فقد عبر عنه