فإن عجز اكتفت منه بما
يظهر عليه من أمارات الرقة وعلاماتها، فتكون رحمة قاصرة لا يصيب المرحوم منها إلا
امتنانه لمن رحمه.
وتتفق الرحمة الإلهية
مع هذه المعاني جميعا إلا في المعنى الأخير، والذي لا يعتبر شرطا في الرحمة، بل هو
دليل العجز والنقص.
وعدم احتواء الرحمة
الإلهية على هذا المعنى مظهر من مظاهر كمالها، لأن الرحيم الذي يفيض عنايته بسبب
ما اعتراه من الرقة، هو في حقيقته يعالج رقته، ويعتني بالضعف الذي أصابه لا
بالمرحوم، ولذلك تجده يضطر المرحوم للتوسل إليه بفاقته وعجزه ليرحمه.
يقول الغزالي:( الرحمة
لا تخلو عن رقة مؤلمة تعتري الرحيم فتحركه إلى قضاء حاجة المرحوم والرب سبحانه
وتعالى منزة عنها، فلعلك تظن أن ذلك نقصان في معنى الرحمة، فاعلم أن ذلك كمال وليس بنقصان في معنى الرحمة، أما أنه
ليس بنقصان فمن حيث أن كمال الرحمة بكمال ثمرتها ومهما قضيت حاجة المحتاج بكمالها
لم يكن للمرحوم حظ في تألم الراحم وتفجعه، وإنما تألم الراحم لضعف نفسه ونقصانها
ولا يزيد ضعفها في غرض المحتاج شيئا بعد أن قضيت كمال حاجته، وأما أنه كمال في
معنى الرحمة فهو أن الرحيم عن رقة وتألم يكاد يقصد بفعله دفع ألم الرقة عن نفسه
فيكون قد نظر لنفسه وسعى في غرض نفسه، وذلك ينقص عن كمال معنى الرحمة بل كمال
الرحمة أن يكون نظره إلى المرحوم لأجل المرحوم لا لأجل الاستراحة من ألم الرقة) [1]
ولكنه مع ذلك، فإن هناك
فرقا بين الرحمة والإحسان المجرد عن الرحمة والذي تدل عليه أسماء حسنى كثيرة، وهذا
الفرق قد ندركه ذوقا ولا نستطيع التعبير عنه لسانا، فأسماء الله وصفاته من العظمة
ما يعجز اللسان عن الوصف أو التعبير.