ولذلك، فإن تفسير
الرحمة الإلهية بمجرد الإحسان يزيل عنها الخصوصية التي يختص بها هذا الاسم، بل يجعل
هذا الاسم مجرد مرادف لفظي لأسماء الجواد والكريم وغيرها.
* * *
قد يقال هنا: كيف
نعتبر الرحمة صفة إلهية، والقرآن الكريم والسنة المطهرة تخبر بأن الله تعالى خلق
الرحمة، والمخلوق ليس صفة، أو ملكها، والمملوك ليس اسما؟
والجواب عن ذلك أن أكثر
الأسماء الحسنى تدل على اتصاف الله بالرحمة، بل إن الله تعالى تسمى باسمين صريحين
في الدلالة على رحمته هما:( الرحمن الرحيم)
فهذان الاسمان الكريمان
هما الخلاصة التي تضمنها أكثر الأسماء الحسنى، ولذلك لهما من العناية من النصوص
وفي الأذكار الشرعية ما ليس لغيرهما.
وقد وردا مقترنين
في مواضع من القرآن الكريم للدلالة على سعة الرحمة وشمولها، كما قال تعالى:﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ (الفاتحة:1)،
وقال تعالى:﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ (الفاتحة:3)، وقال
تعالى:﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ
الرَّحِيمُ﴾ (البقرة:163)، وقال تعالى:﴿ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ﴾ (فصلت:2)
بل إن الله تعالى جعل
اسم الرحمن علما على الذات الإلهية المقدسة، قال تعالى:﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ
أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ (الاسراء: 110)، وقال تعالى:﴿ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ
قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ
فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ (طـه:90)
ومما يدل على دلالته
للذات أن الله تعالى نسب الملك للفظ الجلالة الدال عل الذات، كما قال تعالى:﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ (الحج:56)
ونسبه إلى الرحمن، كما قال تعالى:﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى
الْكَافِرِينَ عَسِيراً﴾ (الفرقان:26)، وقال تعالى:﴿ يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ