فتعذيبهم متعلق
بعلمه وحكمته، وكذلك الاستثناء صادر عن علم وحكمة، فهو عليم بما يفعل بهم حكيم في
ذلك.
ومن الأدلة
المرتبطة بهذا – والتي ذكرها ابن القيم- أن
القرآن الكريم قيد لبث الكفار في جهنم بعدد محدود تعرفه العرب، وهو ( الأحقاب) في
قوله تعالى:﴿ لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً﴾ (النبأ:23)، فهذا
اللفظ يدل على مدة مقدرة يحصرها العدد، كما تقدم من النصوص الدالة على ذلك.
ولهذا تهرب
المخالفون إلى التأويل، فتأول الزجاج الآية على أن الأحقاب تقييد لقوله تعالى:﴿ لا
يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً﴾
(النبأ:24)، وأما مدة مكثهم
فيها فلا يتقدر بالأحقاب.
وقد استبعد ابن
القيم هذا التأويل بحجة أنه يقتضي أن يكونوا بعد الأحقاب ذائقين للبرد والشراب.
أما القول بأن
الآية منسوخة بالنصوص الدالة على الخلود، فغير صحيح، لأن النسخ لا يدخل في الخبر
إلا إذا كان بمعنى الطلب، فإن أرادوا بالنسخ البيان فهو صحيح، وهو إنما يدل على أن
عذابهم دائم مستمر ما دامت باقية فهم فيها خالدون، وما هم بمخرجين.
وفرارا من هذه
التأويلات استدل بعضهم على أن ذكر الأحقاب لا يدل على النهاية بعدم تقديرها
بالعدد، فإنه لم يقل عشرة ولا مائة، ولو قدرت بالعدد لم يدل على النهاية إلا
بالمفهوم، فكيف إذا لم يقدر، ونصوا على أنه كلما مضى حقب تبعه حقب لا إلى نهاية.
والرد على هذا هو
أن أهل النار يختلف مكثهم فيها أو عذابهم بها ـ كما سنرى ـ بحسب استعدادهم، فلذلك
لا يمكن تحديد مكثهم فيها بأحقاب معينة.