وأمره تعالى نوعان: أمر قدري يتعلق بإرادته خلق
الكون على ما هو عليه.
وأمر شرعي، وهو الأمر
المتعلق بمحبته ورضاه وبغضه وسخطه.
فالله تعالى بناء على هذا أراد المعاصي، ولكنه سخطها
وأبغضها، وأراد الطاعات ورضيها وأحبها.
وبناء على هذا، فإن
الأمر يستلزم الإرادة الدينية، ولا يستلزم الإرادة الكونية، فإنه لا يأمر إلا بما
يريده شرعا ودينا.
بل قد يأمر بما لا
يريده قدرا وتكوينا، كأمر الله تعالى إبراهيم u بذبح ابنه، فلم يرده تعالى
كونا وقدرا، وإن كان أراده أمرا.. ولهذا حال بينه وبين تنفيذه، قال تعالى:﴿
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا
إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ
بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) ﴾ (الصافات)
والعقل لا يحيل هذا
المعنى، بل إن الكثير من تصرفاتنا تقوم بموجبه، فالأستاذ يمتحن تلاميذه، وهو يريد
منهم بامتحانهم أي إجابة، صحيحة كانت أو خاطئة، ليرى مدى استيعابهم لدروسهم.
وهو مع هذه الإرادة
يرضى عن الإجابات الصحيحة، ويحب المجيبين بها، ويكره الإجابات الخاطئة، ويعاقب
مسجليها بالعلامة التي تتناسب مع كسلهم وعدم اهتمامهم.
وهكذا ـ ولله المثل
الأعلى ـ أمر الله مع خلقه، فهو يمتحنهم مريدا منهم كل الإجابات، ولكنه لا يرضى
إلا السليم منها.
والقرآن الكريم يعبر عن
الإرادة التشريعية بالألفاظ الدالة على محبته ورضاه، كما قال تعالى:﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى
لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُم﴾
(الزمر: 7)، وقال تعالى:﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ
لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ
الْفَسَادَ﴾ (البقرة:205)، وهي كثيرة سنذكرها في محالها.