قال: أنا من من
أهل كاشان... سماني والدي فيض الله (محسنا)[1].. وقد حبانا الله من فضله الكثير.. وقد بدأت علاقتي بهذه السوق في يوم
لا يختلف عن يومنا هذا.. وفي حال لا تختلف عن حالنا هذه..
ذهبت حينها
إلى والدي، وأنا أعتصر من الألم لأطلب منه أن يمد السوق بما حباه الله من فضله،
فيخرج أهله من فاقتهم وفقرهم وعجزهم..
وقد استجاب
والدي لطلبي، ولكنه قال لي: لقد رأيت صورتهم الظاهرة.. فحزنت عليها.. وحاولت أن
تغيرها.. فهلا رأيت صورتهم الباطنة.. فعساك تتحرك لإصلاحها.. فإنه لا يصلح ظاهر
باطنه خراب..
قلت: ما
تقصد؟
قال: هل نميت
فيهم من المكارم التي تمسح عنهم المآثم.. فلا يمكن أن تستقر بأحد حال.. وفي صدره
وقلبه وحقيقته من الثعابين والحيات ما يظل ينهشه ويقتل فيه الحياة؟
قلت: أنى لي
أن أفعل ذلك.. ولكني مع ذلك أستطيع بكل يقين أن أجزم بأن صورتهم الباطنة من أحسن
الصور.. ولذلك فلن أخاف من بواطنهم على ظواهرهم.. ولن أخاف على مكارمهم من آثامهم..
بعد أن قلت
هذا، قال لي والدي: سنرى.. سأعطيك مبلغا محترما من المال.. وهو كاف لأن يحول سوقهم
ـ لو أحسنوا استخدامه ـ إلى سوق صالحة ممتلئة بكل البركات.. بل
[1]
أشير به إلى العلامة محسن بن مرتضى بن فيض الله محمود الكاشي ـ أو الكاشاني أو
القاشاني ـ (1008 ؟ - 1090 هـ)، وهو من علماء الامامية الكبار.. ويعرف بـ (الفيض)،
وعرف جده بفيض الله وبالفيض.. وينعت بالمتأله الحكيم.. قرأ كتب أبي حامد الغزالي
وتأثر به وسلك منهجه في كثير من (تصرفاته وتظرفاته) كما يقول صاحب الروضات.. له
نحو 80 مصنفا، بعضها في مجلدات.. وأكثرها تعليقات ورسائل.. من كتبه (الصافي في
تفسير كلام الله الوافي) و(الاصفى)، و(منهاج النجاة)، و(الحقائق في محاسن الاخلاق)..
وقد اخترناه لأجل كتابه هذا.. وهو كتاب من أمهات كتب الأخلاق. ولا يخفى سر
اختيارنا له في هذا المحل.