لست أدري هل
كان ذلك يقظة أو مناما.. فقد اختلطت علي في تلك الأيام حياة اليقظة بحياة
الأحلام.. لكن الذي أدريه أنني بعد أن استيقظت أو عاد إلي وعيي رحت إلى كل نص
سمعته، أو فكرة سجلتها، أبحث عن حقيقتها ومصداقها.. وقد وجدتها جميعا كما رأيتها
وسمعتها لم تزد حرفا، ولم تنقص.. ولهذا رحت أسجل هذه الأحداث بالدقة التي رأيتها
فيها.. عساكم تنتفعون بها كما انتفعت.
وبداية
حكايتي تنطلق مني، ومن قريتي الصغيرة المتواضعة .. فقد مررت بسوقها، فرأيت الكثير
من المظاهر التي سببت لي الأسى والألم.. وجعلتني أعاني أنواعا كثيرة من الصراع.
وعندما سرت
في الطريق الخالي، وأنا عائد إلى بيتي صادفت ذلك السوق العجيب الذي بصرني الله من
خلاله إلى أن كل ما نعانيه من آلام ومآس سببه ما نقترفه من الآثام والذنوب التي
نشعر بها أو لا نشعر.
في بداية
دخولي إلى ذلك السوق العجيب أصابني ما أصابني في سوق قريتي من الألم.. فقد كانت
السوق ممتلئة شحا وفقرا.. وكانت أرضها مملوءة بالأوساخ والقاذورات.. وكانت سماؤها
مملوءة بدخان أسود يحيل حياة أهل السوق إلى جحيم..
عندما شاهدت
هذا المشهد المؤلم امتلأت نفسي بالاعتراض والصراع.. بل كدت أصيح: يا رب.. أنزل
عليهم من بركاتك ما يرفع عنهم هذا الهم الذي يعيشونه.. وهذا الفقر الذي يعانونه..
وارفع عن السماء سوادها.. وارفع عن الأرض ما حل بها من رجس.. وارفع عن أهل هذا
السوق ما نزل بهم من محق..
ما اكتمل هذا
الحديث في نفسي حتى ربت رجل ـ يبدو عليه الغنى ـ على كتفي، وقال: