(47)﴾
(الحجر)، فهذا حالهم وهم بعد في الدنيا، فماذا يظن بهم عند انكشاف الغطاء، ومشاهدة
المحبوب في العقبى؟ فإذن لا يتصور أن يكون في الجنة محاسدة ولا أن يكون بين أهل
الدنيا في الجنة محاسدة، لأن الجنة لا مضايقة فيها ولا مزاحمة، ولا تنال إلا
بمعرفة الله تعالى التي لا مزاحمة فيها في الدنيا أيضاً، فأهل الجنة بالضرورة
برءاء من الحسد في الدنيا والآخرة جميعاً، بل الحسد من صفات المبعدين عن سعة عليين
إلى مضيق سجين.
قال آخر:
وعينا هذا.. فهل من علاج غيره؟
قال
المسعودي: العلم النافع.. فمن علم علم اليقين أن الحسد ضرر في الدنيا والدين، وأنه
لا ضرر فيه على المحسود في الدنيا والدين بل ينتفع به فيهما.. مهما عرف هذا عن
بصيرة فارق الحسد لا محالة.
قال الرجل:
فسر لي هذا.. فكيف يكون الحسد ضررا علي في الدين والدينا؟
قال
المسعودي: أما كونه ضرراً عليك في الدين فهو أنك بالحسد سخطت قضاء الله تعالى،
وكرهت نعمته التي قسمها بين عباده، وعدله الذي أقامه في ملكه بخفي حكمته، فاستنكرت
ذلك واستبشعته.. وهذه جناية على حدقة التوحيد وقذى في عين الإيمان، وناهيك بهما
جناية على الدين. وقد انضاف إلى ذلك أنك غششت رجلاً من المؤمنين وتركت نصيحته،
وفارقت أولياء الله وأنبياءه في حبهم الخير لعباده تعالى، وشاركت إبليس وسائر
الكفار في محبتهم للمؤمنين البلايا وزوال النعم.. وهذه خبائث في القلب تأكل حسنات
القلب كما تأكل النار الحطب، وتمحوها كما يمحو الليل النهار.
وأما كونه
ضرراً عليك في الدنيا فهو أنك تتألم بحسدك في الدنيا أو تتعذب به، ولا تزال في كمد
وغم إذ أعداؤك لا يخليهم الله تعالى عن نعم يفيضها عليهم، فلا تزال تتعذب بكل نعمة
تراها وتتألم بكل بلية تنصرف عليهم، فتبقى مغموماً محروماً متشعب القلب ضيق الصدر
قد نزل بك ما يشتهيه الأعداء لك وتشتهيه لأعدائك، فقد كنت تريد المحنة لعدوك