لَأَجْعَلَنَّكَ
مِنْ الْمَسْجُونِينَO(الشعراء:29)
ثم يتوجه إلى الملأ من قومه ناصحا في غاية التواضع :﴿ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ
رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي
الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾(غافر:26)،
والفساد الذي يعنيه فرعون هنا هو أن يتحول غيره أرقاما ويصير هو جزءا من كل.
والقرآن الكريم
يخبرنا بذلك التهديد ومحاولة تنفيذه ليبين سذاجة التفكير الناتج عن كسل عقل
المتعاظم الذي لا يرى غيره ولا يستفيد من غيره، والذي يحول بينه وبين الصبر على أي
مناظرة أو التنازل لقبول أي حجة.
ولهذا نرى في جميع
مواطن الحوار بين المؤمنين وغيرهم في القرآن الكريم الكفار يقطعون الحوار بإثارة
الشغب والتهديد بالقتل والرجم أو بممارسة القتل نفسه، فإبراهيم عليه السلام يقطع
حواره الرقيق مع والده بهذا التهديد الخطير:﴿ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي
يَاإِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾(مريم:46)، والرجل الذي جاء قومه يسعى في
سورة يس يقطع حواره بقتله ليستأنف القرآن الكريم ذكر تتمة حديثه بعد موته، ومؤمن
آل فرعون قطع حواره الطويل البليغ بما يشير إلى محاولة قتله، كما قال تعالى:﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا
مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾(غافر:45)
والقرآن الكريم
يبين أن ذلك التيه بالذات قد لا يكون بسبب ملك عريض أو عرش عظيم، بل قد يتيه
الإنسان ببستان يملكه يمحو من خلاله غيره ويتعاظم عليهم، قال تعالى عن صاحب
الجنتين:P وَكَانَ لَهُ
ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ