القوميات والشعوب
والقبائل والآباء والأنساب.. بوق من أبواق الشيطان، ينفخ فيه، فيصدر مع صداه
الضارب في أحقاب التاريخ أكثر الحروب، وأبشع العصبيات، وأرذل الجرائم الإنسانية.
عندما انطلق
الرومان من أرضهم الخصبة، ومعيشتهم الميسرة، وفلسفتهم وأساطيرهم لم يكونوا يحملون
مع جيوشهم الجرارة من فضل حضارة وإنسانية، ليساهموا في رفعة الإنسان، بل كان زادهم
الوحيد، وهاجسهم الوحيد، ودافعهم الوحيد هو أن يعرفوا العالم الذي نعتوه بالبربرية
من هو الإنسان الروماني وأي دماء تسري في عروقه.
وعندما أباد خلفهم
من الأوروبيين سكان أمريكا وأستراليا، واستعبدوا سكان إفريقيا واستعمروا سكان آسيا
لم يكونوا يشعرون بأي ألم، وهم يستغلون الأرض، ويستسخرون البشر، ويمصون دماءهم،
لأنهم كانوا يعتقدون، بل قد يصرحون، بأنهم الجنس السامي، والإنسان الممتاز،
الإنسان الذي يجوز له أن يستغل من دونه كما يستغل سائر البشر النبات والحيوان.
ومرت حقبة على
البشرية تصوروا أنهم تخلصوا من العبودية والاستعمار، وأن الإنسان ترقى ليمحو آثار
الشعوبية والقبلية والعرقية، وأن العالم يتجه نحو الإنسان المفصول عن أعراقه، ولكن
الأخبار التي تبث كل يوم، بل كل ساعة تكذب كل هذا.