تركنا لينين منشغلا بآلامه.. ولم نسر إلا قليلا حتى
رأيت رجلا أعرفه كل المعرفة.. لقد كانت صورته على شاشات التلفاز تتصدر كل الأحداث..
وكان يليها مباشرة صور طائراته الضخمة، وهي تمطر المستضعفين بالموت الزعاف.. لم
يكن يحب من الحياة إلا قهر الحياة..
ولكنه كان في
وكر المستكبرين مقيدا بقيود كثيرة.. كم تمنى المستضعفون أن يروه مقيدا بواحد منها..
لقد شعرت بسعادة عظيمة وأنا أراه مغلولا في تلك القيود، وكم تمنيت لو كنت أحمل معي
آلة تصوير لأزف بصورته مع قيوده إلى الثكالى والأيتام.. ولم يكن ذلك حقدا.. فيعلم
الله أني لا أبغض شيئا مثل امتلاء النفس بالحقد.. ولكني كنت سعيدا لأني أرى الكبر
والظلم وجميع الجرائم الإنسانية مقيدة معه في تلك القيود.
سهوت عن
معلمي.. واقتربت من ذلك الذي ملأ الأرض لهيبا.. فصحت فيه بنبرة تنبئ عن نشوة
المنتصرين.. قلت له: وأخيرا.. ها أنت تقيد بالقيود التي قيدت بها أمم الأرض..
ويكال لك من العذاب ما كنت تكيله لهم.
نظر إلى
قيوده باحتقار، ثم قال: ليتني امتلأت من مفرق رأسي إلى أخمص قدمي قيودا.. ونزع ـ
في مقابل ذلك ـ من ذاكرتي ما يعذبها من أنواع الذكريات..
ثم أمسك ببعض
قيوده، وقال: إن ما تراه من قيود وأغلال شيء بسيط، بل لا يكاد يساوي شيئا أمام
الآلام التي يضيق بها صدري، وتختنق بها أنفاسي.
إن كل طفل
شوهته.. وكل امرأة رملتها.. وكل رجل لعبت بكرامته.. وكل حياة خنقتها يقفون الآن
وقبل الآن.. ولست أدري إلى متى.. يخنقونني ويصبون الآلام على نفسي.. ليتهم
يقتلونني.. ليتهم يذيقوني من الموت ما أذقتهم..