تركنا يزيدا يرسل الويلات على نفسه، ولم نبتعد قليلا
حتى سمعنا صوتا لا يقل عما قبله نكارة، إلا أن فيه سيما أصوات الخطباء من تمديد الصوت
وتمطيطه، فسألت صاحبي عن مصدر الصوت، فقال: هذا الحجاج.
قلت: ذلك
الخطيب الألمعي.. لقد خطب في أهل العراق خطبة سالت لها وديان البلاغة.
قال: وفاضت
بها بحار الاستبداد..
قلت: كيف هذا..
لقد كان الحجاج يقتل، ويسرف في القتل.. ولكن الرعية قد تحتاج أحيانا إلى من يردعها..
لقد قال المؤرخون عنه:( كان يغضب غضب الملوك، وكان يتشبه بزياد بن أبيه، وكان زياد
يتشبه بعمر)
قال: أراكم
تعطون للظلمة الأغلال التي يقيدونكم بها.. ولا تكتفون بذلك، بل تعطونهم السياط
التي تلهب ظهوركم..
قلت: عرفت
نموذج يزيد، وتمثيله للحاكم المستبد الذي يأخذ الأمر من أهله، ثم يسلط عليهم
سياطه، فمن يمثل الحجاج؟
قال: الحجاج
هو سوط الحاكم الظالم المستبد..
قلت: صدقت في
هذا.. لقد نقل المؤرخون عظم الولاء الذي كان يحمله الحجاج لبني أمية إلى درجة
وصموه فيها بالذلة، وقد كتب مرة إلى عبد الملك بن مروان: إن خليفة الله في أرضه،
أكرم من رسوله إليهم.
وكان يقول:
ويحكم، أخليفة أحدكم في أهله أكرم عليه، أم رسوله إليهم؟ يشير بذلك إلى أن عبد
الملك بن مروان، أكرم على الله من النبي a.