من لم يطقها،
لأنه قد يستلمها، وهو مكره عليها، لا مطمئن لها.
وبعدهما قال
وارث النبوة الأكبر، إمامنا علي، منبع الحكمة، والسراط المستقيم: (إن هاهنا لعلوما
جمّة لو وجدت لها حملة)، فهل ترى نفسك ـ أيها الرفيق العزيز ـ أكثر حكمة من الإمام
الذي رباه رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم على عينه، وعلمه كيف
يخاطب الناس، وكيف يراعي ضعفاءهم، ولذلك لم يبث كل ما لديه من العلوم، لأنه لم يجد
من يمكنه أن يفهمها، أو يتقبلها، أو لا تؤذيه.
قد تذكر لي ـ
أيها الرفيق العزيز ـ ما ورد في النصوص المقدسة من التحذير عن كتمان العلم، وتقول
لي، وأنت ممتلئ ورعا: كيف أتوقف عن بث علومي، وقد قال الله تعالى: { إِنَّ
الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ
مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ
وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159]
وأنا أشيد
بورعك، كما أشدت قبل ذلك بعلمك؛ ولكني مع ذلك أذكرك بأن الله تعالى نهى في الآية
الكريمة عن كتمان البينات، وهي الواضحات اللاتي لا ينكرهن إلا مكابر، أما ما
عداهن؛ فقد لا يكون العلم بهن أصلا علما نافعا، بل قد يكون ضارا، وأنت تحفظ عن
رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم غضبه عندما رأى كتابا من كتب اليهود في يد بعض بعض أصحابه، وقال له: (والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بها بيضاء نقية،
لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده
لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني)[1]
فاجعل هذا
الحديث العظيم نبراسك الذي تختار به دروسك ومواعظك وأحاديثك لعامة الناس.. ارفق
بهم، واكتف بأن تريهم الأبيض الناصع الواضح البين، حتى لا تشوش رؤيتهم، ولا تفسد
فطرهم، ولا تضر بسلامة أجهزة هضم المعارف في