ولذلك اعتبر
بقصته.. ولا تدع لرستم وإسفنديار وأرسطو وأفلاطون والخليل وسيبويه وكل علماء
الدنيا، أن يحولوا بينك وبين عقلك.. فعقلك هو وسيلتك إلى ربك.. وعقلك هو المفتاح
الذي تفتح لك به حقائق الوجود؛ فاحذر أن يسقط المفتاح منك، ليتناوله النضر بن
الحارث، ويملي عليك حينها كل ما يريده، لترى العالم كما يراه.
فالنضر بن
الحارث ليس مجرد رجل من قريش، بل قد يكون أستاذا في الجامعة، أو كاتبا كبيرا، أو
باحثا عبقريا، أو صاحب شهرة تخترق الآفاق.. فكل من يريد منك أن تعطيه مفاتيح عقلك،
ليضع فيه ما يريد هو نسخة من النضر بن الحارث.. ذلك الذي استسلمت له بعض العقول؛
فراحت تغلق بقصصه وعلومه نوافذ بصائرها.
ولذلك أقول لك:
اقرأ وتعلم وطالع.. ولكن لا تنس عقلك.. ولا تجعل علومك حجابا بينك وبين الحقائق،
ولا تكن كأولئك الذين ذكرهم الله تعالى؛ فقال: { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا
كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [غافر: 83]
ولا تكن كأولئك
الأحبار والرهبان الذين واجهو الأنبياء، لا لقلة علومهم، وإنما لضعف عقولهم، أو
لغلبة علومهم على عقولهم، أو لأنهم ـ كما ذكر القرآن الكريم ـ كانوا يحملون
العلوم، مثلما تحمل الحمير الأسفار؛ فهي تحملها، ولكن لا تستطيع أن تتدبرها، أو
تفكر فيها.
هذه وصيتي لك،
ولنفسي، ولكل من يريد أن يخرج من دين قومه ليدخل دين الله.. فدين الله لا نرثه عن
آبائنا وأجدادنا، ولا نتعلمه من معلمينا وأساتذتنا، وإنما هو ذلك الذي نعاني في
البحث عنه، ونتضرع إلى الله بكل صدق أن يهدينا إليه؛ فإذا هدانا إليه طلقنا كل شيء
في سبيله، وأولها تلك العلوم التي كانت تحول بيننا وبينه.