ولهذا، فإن من يستكبر على تلك السرج المنيرة، ويتوهم
أنه يمكنه أن يصل إلى الحقائق من دونها، ثم يستعلي عندما يرى مصابيح مدينته
مشتعلة، فإنه واهم، ولن يعيش إلا السراب.
ألا ترى يا بني
أن كل الحروب التي حصلت في القرون الأخيرة قام بها تنويريون ودعاة تنوير.. ومثلها
الاستعمار.. والاستكبار.. وكل مظاهر التمييز العنصري.. كلها برزت من لدن أولئك
الذين توهموا أنهم الأفضل والأقدر والأقوى.. وقد وصل بهم عتوهم إلى إلغاء الله
لتوهمهم أنهم قد استغنوا باختراعاتهم عنه.
لقد ذكر الله
تعالى هؤلاء.. لكنه لم يسمهم تنويريين، وإنما سماهم طغاة، فقال: { كَلَّا إِنَّ
الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى } [العلق: 6، 7]
وكل أولئك
التنويريين لا يجتمعون على شيء، كما يجتمعون على الشعور بالاستغناء عن الله.. بل
إنهم يتصورون أن الحاجة لله قد زالت بعد أن وصل الإنسان بعقله إلى المصابيح
الكهربائية التي توهموا أنها يمكن أن تلغي المصابيح الربانية.
هذه صفات
التنويريين يا بني .. فاحذر منها، ومن الدجل المرتبط بها.. فإنك لن تصل إلى الله
إلا بعد وصولك إلى أنواره.. ولن تصل إلى أنواره إلا من خلال تلك المصابيح والسرج
المنيرة التي جعلها الله منابع للهداية، ومصادر لها.. ولا يمكن لأحد أن يقتبس
نوره، وهو مستعل عليها، مستكبر على تعاليمها.