تنزل عليها، ستنبت كل أنواع الثمار النافعة، والأزهار
الجميلة، حتى تتحول نفسه إلى حديقة غناء، أو جنة زاهية..
ومن كانت أرض
قلبه مختلطة بين الصخور الصماء، والمستنقعات الأسنة، والتربة الطيبة الطاهرة.. لم
ينل إلا حظا محدودا من تلك الجنان، فيسعد ببعضه، ويشقى ببعضه.. ولذلك كان ألمه
بنفس القدر الذي ضيع فيه عبوديته، أو عبودية أرض نفسه.
أظن أنك فهمت يا
بني ما أقصد.. فالعبودية هي ذلك اللين الذي يبديه العبد لربه.. وتلك الطمأنينة
التي تمتلئ بها جوانح النفس عندما يتنزل عليها المدد الإلهي.. وذلك التسليم لله
ولأمره.. والذي يجعل الإنسان كالميت بين يدي الغسال، أو كالريشة في مهب الريح..
حينها فقط يمكن أن
يستقبل الإنسان المدد الإلهي، ويتشبع به، ويستفيد منه، ويسعد معه.. فإن استكبر أو
طغا أو تعنت أو امتلأ بالأنانية، فإنه سيظل حبيسا في سجن نفسه.. ولن ينال الفضل
الإلهي حتى يخرج من سجونه.
فالفضل الإلهي
رسالة لا يمكن أن تتنزل إلا على الأوعية التي تستعد لاستقبالها.. وذلك الاستعداد
هو عين العبودية.. ولذلك فإن من لم يتوفر له ذلك الاستعداد، أو تلك القابلية عاش
ممتلئا بالشقاء.. ظمآنا مع أن الماء أقرب إليه من فمه.. فالماء لا يمكنه أن يزور
فما غير مستعد لاستقباله.
لقد ذكر الله
تعالى ذلك في القرآن الكريم، فقال: { قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ
الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ
بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ
فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ
اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا
مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ