وهكذا.. فإن الطهارة الحقيقية ـ يا بني ـ هي التي
تشمل كل شيء.. لا تلك التي تقتصر على تطهير الطلاء والقناع والزجاج الخارجي..
وتترك الحقيقة والباطن مملوءا بكل أنواع القذارة.
ولذلك ربط الله
تعالى بين الدعوة لتطهير الثياب، والتطهير من الرجز.. ودعا إلى هجره واجتنابه..
ودعا إلى تكبير الله حتى تزاح تلك الخرافات التي تملأ العقل بالكدورة.. ودعا إلى
الصبر حتى تتخلص النفس من آثار العجلة .. ودعا إلى عدم المن حتى لا يساء للعلاقات
الاجتماعية، وتمتلئ بما يكدرها.
هذه هي النظرة
القرآنية والإيمانية للطهارة.. فهي تنطلق من الجسد والبيوت، والأحياء والشوارع،
لكنها لا تكتفي بها.. بل تنتقل إلى باطن الإنسان وحقيقته.. فتملأها بالطهارة
والنظافة والجمال.
ولذلك فإن
المعجبين بأولئك الذين ينظفون ثيابهم، أو يملؤون شوارعهم بأصناف الزينة، ويغفلون
عن تلك الحانات والمراقص ونوادي الرذيلة التي تملأ تلك الأحياء، ينظرون بعين
الدجال الواحدة.. فالطهارة مثل الأخلاق جميعا لا تنقسم، فمن طهر بعضه، وأعرض عن
تطهير الباقي كان نجسا وقذرا.
تصور لو أنك
دخلت بيت أحدهم، فوجدت غرفة الاستقبال طاهرة نظيفة.. لكنك عندما مررت على غيرها،
شممت كل أنواع الروائح المنتنة، هل يمكنك بعد ذلك أن تصف صاحب البيت بالطهارة
والنظافة؟
هكذا الأمر ببيوتنا
التي نسكنها.. وهي حقائقنا ولطائفنا.. فمن نظف جسده وثيابه، ثم ترك قلبه وعقله
ونفسه أسيرة لتلك القاذورات الحاجبة عن الله .. كان حريا بأن يوصف بالنجاسة، حتى
لو امتلأ ظاهره بالنظافة.
لقد ذكر القرآن
الكريم ذلك، وصرح به، وأخبر أن كل ما يحول بين العقل