ولذلك كانت الذلة لله أعظم صفات المؤمنين،
وهي أشرف مراتبهم وأكرمها.. فالله تعالى هو الرحيم اللطيف بعباده.. ولذلك كانت
الذلة له السبيل الوحيد لاجتناء ثمار أسمائه الحسنى.
فالذي يظهر بمظهر الفقر لله، ستمطر عليه
صدقات الله التي لا حدود لها.. كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ
الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15]
والذي لا يفعل ذلك، ويظهر بمظهر المستغني عن
الله، فإن الله تعالى لن يمن عليه من فضله، وكيف يمن عليه، وهو من حرم نفسه من
التعرض لصدقات الله، قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ
وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60]
ولهذا أمرنا الله تعالى بالرجوع إليه كل حين،
وأخبر أنه ينزل علينا من البلاء ما يجعلنا نحتاج إلى ذلك التضرع والتذلل بين يديه،
قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ
بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ
جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 42، 43]
فهاتان الآيتان الكريمتان تبينان عواقب
المستكبرين على الله، أولئك الذي استقبلوا أمواج البلاء بالتعنت، لا بالتضرع،
ولذلك كان جزاؤهم مضاعفة البلاء، والوقوع في الذلة للخلق الذين يسومونهم الخسف.
وقد ضرب الله تعالى المثال على ذلك باليهود
الذي أنفوا من أن يذلوا لله، فوقعوا في الذلة لخلقه، قال تعالى: {ضُرِبَتْ
عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ
مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ
الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا