ويبحثون عن الحقائق.. وأما غيرهم، وما أكثرهم،
فيذهبون إلى السراب يستزيدون منه، وهم يتوهمون أنه قد يتحول إلى ماء.. ولن يتحول
أبدا.
أظن أنك تطلب
مني ما تعودت أن تطلبه من ضرب الأمثلة، ولك ذلك..
ولعل أحسن
الأمثلة على ذلك، عالم جليل عاش في قرون سابقة، وأتيحت له كل أسباب الجاه
والسلطان، وفي وقت مبكر من عمره.. لكنه شعر بعد فترة أن هذا الطريق، وإن كان
لذيذا، لكن لذته وقتية ومحدودة، وقد تنتهي به إلى الشقاء الأبدي؛ فلذلك راح يستعمل
كل الوسائل في الحصول على السعادة الحقيقية إلى أن وجدها.
لقد عبر عن
نفسه، فقال: (كان قد ظهر عندي أنه لا مطمع لي في سعادة الآخرة إلا بالتقوى، وكف
النفس عن الهوى، وأن رأس ذلك كله، قطع علاقة القلب عن الدنيا، بالتجافي عن دار
الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى. وأن ذلك لا
يتم إلا بالإعراض عن الجاه والمال، والهرب من الشواغل والعلائق. ثم لاحظت أحوالي،
فإذا أنا منغمس في العلائق، وقد أحدقت بي من الجوانب، ولاحظت أعمالي - وأحسنها
التدريس والتعليم - فإذا أنا فيها مقبل على علوم غير مهمة، ولا نافعة في طريق
الآخرة.. ثم تفكرت في نيتي في التدريس، فإذا هي غير خالصة لوجه الله تعالى، بل
باعثها ومحركها طلب الجاه وانتشار الصيت، فتيقنت أني على شفا جرف هار، وأني قد
أشفيت على النار، إن لم أشتغل بتلافي الأحوال) [1]
وبعد ذلك
التفكير قرر بأن يسلك السبيل الذي تطلبه السعادة الحقيقية، ولو بالتخلي عن السبل
التي تحققها السعادة الوهمية، وقد حقق الله له ما أراد، فوصل إلى