اختراعه، ولا يحق لأحد أن يشاركه فيه.. وهكذا الأمر
مع هذه الأكوان التي لم تكن لتوجد لولا الله.. فالله باريها.. وما كانت لتحيا..
فالله محييها.. وما كانت لتنال أرزاقها.. فالله هو الرزاق ذو القوة المتين.
ولذلك كان العقل
السليم داعية للبحث عن قوانين هذا الإله المبدع المحيي الرزاق.. لاتباعها بدقة،
والثقة فيها ثقة مطلقة.. ذلك أنه يستحيل أن يبدع كل هذا الإبداع، ويفيض كل هذه الفيوضات،
ثم يقصر بعد ذلك في وضع القوانين التي تناسبها.. وهو نفسه الذي وضع قوانين الذرة
والخلية والمجرة وكل شيء.
لذلك كان الهرب
من الله إلى النفس، كالهرب من السهول والتلال المملوءة بأصناف الأزهار والثمار..
إلى الفيافي القاحلة المملوءة بالحيات والعقارب.
والذي يفعل
ذلك.. ثم يرجو النجاة والفوز.. يكون صاحب أماني كاذبة.. فالأزهار لا تنبت في
الفيافي الجرداء.. وإنما تنبت في الأراضي الطيبة اللينة الهينة.. التي يتعاهدها
أصحابها بالسقي كل حين.
وصدق في ذلك،
فسنة الله تعالى في السفن ألا تجري إلا في البحار والأنهار.. والعقول التي تريدها
أن تجريها في الجبال والتلال عقول واهمة، لا تعيش إلا في الخيال.
لذلك كان من
مقتضى العقل والحكمة أن نتعامل مع الملكوت بنفس تعاملنا مع الملك.. ونتعامل مع
قوانين الآخرة بنفس تعاملنا مع قوانين الدنيا، حتى لا نقع في حبال الأوهام
الكاذبة.
وحينها يمكننا
أن نتمنى الأماني الصادقة التي يصدقها الحال والعمل..