فطريق معرفة الله يحتاج منك إلى مجاهدات كثيرة، فقد
ربط الله بين الهداية إليه وبين المجاهدة، فقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [العنكبوت:
69]
والمجاهدة
تستدعي منك مراعاة قلبك، حتى لا يمتلئ بالأغيار، فالله غيور لا يرضى بالشريك..
وتستدعي الصفاء، فالله كريم، ولا يحل الكريم في البيت المملوء بالدنس.. وتستدعي
الهمة العالية، فهي السلم الوحيد الذي ترتقي به إلى الله، وقد وصف الله بها
الصادقين من عباده، فقال: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [الأنعام: 52]
وتستدعي بعد ذلك
كله وقبله الذكر الكثير.. فالغافل لن يصل إلى شيء.. ولهذا وصف الله عباده الصالحين
بكثرة ذكرهم لله، فقال: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ}
[الأحزاب: 35]
وتستدعي الترفع
عن الأكوان، لأن حضرة الله حضرة مقدسة، ولا يصح أن ندخل إليها بنعال الأكوان.. وقد
سئل بعض الحكماء: كم بين الحق و العبد؟، فقال: (أربعة أقدام: يرفع قدما من الدنيا،
وقدما من الخلق، وقدما من النفس، وقدما من الآخرة؛ فإذا هو عند اللّه)
ولهذا قد لا
تحتاج يا بني للكثير مما تذكره تلك الكتب، ذلك أن العمدة على الإرادة والهمة
العالية والصفاء، وقد سأل بعض المريدين شيخه أن يعطيه الاسم الأعظم الذي يختصر به
الطريق إلى معرفة الله، فقال له: (ليس لاسم اللّه حد محدود، ولكنه فراغ قلبك
لوحدانيته، وترك الالتفات إلى غيره؛ فإذا كنت كذلك، فخذ أي اسم شئت، تسير به من
المشرق إلى المغرب، في ساعة ثم تجيء)
وإياك يا بني من
أن تقع فيما يقع فيما نص عليه قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ