قد يقتل ما تعاهدته في نفسك من الأخلاق الطيبة..
فالرذائل تقاوم الفضائل.. مثلما تقاوم النباتات الضارة النباتات النافعة، وتقضي
عليها.
واعلم يا بني أن
كل ما تغرسه في نفسك من أزهار الفضائل وأشجارها سيظهر لك هناك في الحديقة التي
تنتظرك.. وهي التي تتجلى لك فيها حقائق نفسك التي كانت مخفية عنك.
فإنك يا بني في
ذلك العالم لن تشاهد إلا ما غرسته بيديك هنا.. فالله أكرم من أن يظلم أحدا، أو
يجازيه بما لم تعمل يداه..
وقد ورد في
الحديث أن رسول الله a مر ليلة الإسراء بإبراهيم عليه السلام، وهو
جالس عند باب الجنة، فسلم عليه، فرد عليه السلام، وقال: (مرحبا بالنبي الصالح،
والابن الصالح، مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة، فإن تربتها طيبة، وأرضها واسعة)،
فقال له a: (وما غراس الجنة؟)، قال: (لا حول ولا قوة
إلا بالله العلي العظيم)، وفي رواية: (أقرئ على أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة
طيبة التربة عذبة الماء وأن غراسها؟ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر) [1]
بل إن القرآن
الكريم كله يشير إلى ذلك.. فكل آيات الجزاء تدل على أن الإنسان لن يجد في دار
المعاد غير تلك البذور التي سقاها بنفسه في عالم الدنيا، قال تعالى: {وَلَا
يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَ
خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالله بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران: 180]، فهذه الآية الكريمة تبين أن ما كان يبخل به
الإنسان من الذهب والفضة وغيرهما يظهر في النشأة الأُخرى بهيئة سلسلة من نار
تُطوِّق عنقه