ولذلك لم يكن للحق أن يتحقق لولا وجود حياة
أخرى تكمل هذه الحياة، وتسد القصور والنقص الموجود فيها، قال تعالى:﴿ وَمَا
خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ
السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ [الحجر: 85]
وفي دعوة الله تعالى إلى الصفح، وربطه
بالقيامة دليل على أن العدالة المطلقة ستكون هناك، ليُقتص من الظالمين، ويأخذ
أصحاب الحقوق حقوقهم، وهو ما لا نجده في الدنيا إلا قليلا.. ولذلك كان من مقتضيات
الحكمة والعدالة أن تؤدى الحقوق لأهلها، سواء في هذه الدار أو في غيرها.
والعلماء يعترفون بانبناء الكون على الحكمة،
ولهذا نشأت كل العلوم، فهي تفترض دائما ومبدئيا أن لكل موجود غاية، وأنه ليس هناك
شيء بلا فائدة، أو بلا دور، حتى تلك الفكرة التي ذكرها البيولوجيون أواخر القرن
التاسع عشر، ليؤيدوا نظرية التطور، والتي تنص على أن (الأعضاء الضامرة أو
الآثارية) لا وظيفة لها، لأنها من بقايا التطور، راح العلم بعد تطوره يفند
أطروحاتهم، ويبين أن لها وظائف لم يتفطن لها أهل القرن التاسع عشر، وكان الأصل ـ
لو تواضعوا، ولم يدخلوا الأيديولوجيا في العلم ـ أن يسلموا بعدم خلوها من الحكمة،
ولو لم يكتشفوا سرها.
ومن الأمثلة على ذلك الموقف من [الغدة
الصنوبرية][1]، فقد ذهب الكثير من العلماء في القرن التاسع عشر إلى كونها عضوا أثريا،
ليست له أي وظيفة، وبرروا ذلك بصغر حجمها، وهذا ما جعلهم لا يهتمون بالبحث فيها.
[1]([32]) الغدة الصنوبرية: هي غدة صغيرة الحجم من الغدد الصماء تقع في
المخ وهي المسؤولة عن إفراز هرمون الميلاتونين ولها علاقة بتنظيم معدل النمو
الجسمي وكذلك عمليات النضج الجنسي في الكائن الحي.
نام کتاب : أسرار ما بعد الموت نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 39